عند سماع عبارة “عسر القراءة والرؤية”، قد يخطر ببال البعض أنها تتعلق بمشكلة بصرية تعيق عملية القراءة. إلا أن صعوبة القراءة ليست المشكلة الوحيدة، إذ أن عسر القراءة ليس اضطرابًا بصريًا بحتًا؛ بل يُعرف بأنه مجموعة من صعوبات التعلم اللغوية التي تؤثر على كيفية فهم الفرد للغة وتفاعله معها. وتظهر الدراسات أن نسبة تتراوح بين 80% إلى 90% من الأطفال الذين يواجهون تحديات في التعلم يُعانون من عسر القراءة، مما يجعل هذا الاضطراب من القضايا الهامة التي تحتاج إلى فهم دقيق ورعاية متخصصة.
طبيعة عسر القراءة والرؤية وتأثيره على التعلم
يُشكل عسر القراءة والرؤية تحديًا متعدد الأوجه يؤثر على جوانب عديدة من العملية التعليمية والحياتية. فالأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب قد يواجهون صعوبات في:
- القراءة بسلاسة وبدقة دون أخطاء.
- فهم المحتوى المقروء واستنباط المعاني بدقة.
- التدقيق الإملائي والكتابة بشكل صحيح.
- التعرف على الكلمات المألوفة داخل النصوص.
- الحفاظ على القافية والنمط في الشعر أو النصوص الإبداعية.
- استيعاب لغة أجنبية والتعامل معها بفعالية.
من المهم التأكيد على أن هذه الصعوبات لا ترتبط بالذكاء، إذ أن الأفراد المصابين بعسر القراءة والرؤية قد يكونون أذكياء ومبدعين، لكن الطريقة التي يعالج بها الدماغ المعلومات المرئية تختلف عن النمط التقليدي.
الأسباب والعوامل المؤثرة في عسر القراءة والرؤية
على الرغم من عدم وجود سبب محدد ومعروف لعسر القراءة والرؤية، إلا أن هناك عوامل رئيسية يُتفق عليها على نطاق واسع:
- العوامل الوراثية: تُعد الوراثة من أهم العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بعسر القراءة، حيث يُلاحظ أن نسبة تصل إلى 49% من أولياء الأمور الذين لديهم أطفال مصابون بهذا الاضطراب يُعانون هم أيضًا منه، كما أن حوالي 40% من الأشقاء قد يواجهون نفس التحدي.
- تركيبة الدماغ ووظائفه: تُظهر الدراسات أن هناك اختلافات في هيكل الدماغ لدى الأشخاص المصابين بعسر القراءة والرؤية، خاصةً في المناطق التي تختص بتمييز الأصوات ومعالجة شكل الكلمات. وهذا الاختلاف يؤثر بشكل مباشر على كيفية قراءة النصوص وفهمها.
العلاقة بين عسر القراءة والرؤية ومشاكل البصر
على الرغم من أن عسر القراءة والرؤية ليسا اضطرابًا ناتجًا عن مشاكل في البصر، إلا أن نظراً لأن الطفل يتعلم حوالي 80% من المعلومات بصريًا، فإن وضوح الرؤية يعد أمرًا ضروريًا لعملية التعلم. في بعض الأحيان، يُفترض أن تكون صعوبات القراءة مرتبطة بمشكلة بصرية، وقد يُعتقد أن ارتداء نظارات قد يحل المشكلة. إلا أن الحالة ليست بهذه البساطة؛ إذ أن الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة والرؤية ليسوا بالضرورة أكثر عرضة لمشاكل الرؤية البصرية. ومع ذلك، قد يصادف بعضهم أن يعاني من مشكلات بصرية إلى جانب صعوبات التعلم، مما يتطلب التفريق بين العوامل العصبية المتعلقة بمعالجة المعلومات البصرية والمشاكل البصرية التي يمكن تصحيحها بوسائل تقليدية مثل النظارات أو العدسات.
مشاكل الرؤية وتأثيرها على التعلم
رغم أن عسر القراءة والرؤية يرتبط أساسًا بصعوبات تعلم لغوية، إلا أن هناك بعض اضطرابات الرؤية التي تؤثر على الأداء الدراسي، وتشمل:
- عيوب الانكسار: مثل قصر النظر، ومدّ النظر، والاستجماتيزم. تُصحح هذه الحالات عادةً باستخدام النظارات أو العدسات اللاصقة، أو أحيانًا من خلال تدخلات جراحية بسيطة.
- ضعف البصر الثابت: والذي لا يمكن تحسينه باستخدام الوسائل التقليدية مثل النظارات أو العدسات أو الجراحة، ويتطلب حلولاً متخصصة.
- مشاكل الرؤية الوظيفية: التي تتعلق بكيفية تنسيق العينين أثناء أداء المهام مثل القراءة والكتابة.
- اضطرابات الإدراك البصري: والتي تؤثر على قدرة الدماغ على تفسير وفهم الصور والنصوص المرئية.
يجب على الوالدين والمهتمين بمستقبل الطفل الانتباه إلى العلامات التي قد تشير إلى وجود مشاكل في الرؤية تؤثر على الأداء الدراسي، مثل:
- تخطي أسطر النصوص أو تكرارها عند القراءة بصوت عالٍ.
- صعوبة في فهم المحتوى المقروء.
- ظهور صعوبة في إتمام الواجبات المدرسية في الوقت المناسب.
- عكس الحروف مثل (b) و(d) أثناء القراءة.
- ضعف التركيز والانتباه أثناء الدراسة.
متلازمة إيرلين: تشابه مع عسر القراءة والرؤية
هناك حالة أخرى تُعرف باسم متلازمة إيرلين، والتي قد تُشبه عسر القراءة والرؤية من حيث تأثيرها على معالجة المعلومات البصرية. تتميز متلازمة إيرلين بصعوبات في الانتباه والتركيز، إلى جانب الصداع والنوبات الحساسة للضوء وصعوبات في إدراك العمق وإجهاد العين. وعلى الرغم من تشابه أعراضها مع عسر القراءة والرؤية، إلا أنها ليست اضطرابًا بصريًا وإنما تتعلق بكيفية معالجة الدماغ للمعلومات المرئية. وتتميز هذه الحالة بسهولة علاجها مقارنةً ببعض الاضطرابات الأخرى، إذ يمكن التخفيف من أعراضها عبر استخدام أدوات وتقنيات خاصة.
نصائح للمصابين بعسر القراءة والرؤية
يُعد عسر القراءة والرؤية تحديًا يؤثر على الأشخاص من مختلف الأعمار، ولا يختفي مع مرور الوقت. لحسن الحظ، تتوفر العديد من الأدوات والتطبيقات والموارد التعليمية التي تساعد الأفراد المصابين بهذا الاضطراب على تحقيق النجاح في الدراسة والحياة اليومية. تشمل هذه الموارد:
- إعداد مواد تعليمية مطبوعة بخطوط كبيرة وواضحة.
- توفير وقت إضافي للقراءة والكتابة والاختبارات.
- استخدام علامات مرجعية أو شرائط لتتبع النصوص أثناء القراءة.
- تقديم مخططات وملاحظات مفصلة لتسهيل متابعة الدروس.
- الاستعانة بتطبيقات تحويل النص إلى كلام لتحسين مهارات القراءة والتدقيق الإملائي.
- المشاركة في مجموعات دعم ومنتديات إلكترونية تُعنى بمساعدة الأفراد المصابين بعسر القراءة والرؤية وأسرهم.
هذه الأدوات تُساعد الأطفال والبالغين على التغلب على التحديات المرتبطة بعملية التعلم وتطوير مهاراتهم اللغوية والقرائية بشكل ملحوظ.
يُعتبر عسر القراءة والرؤية من الاضطرابات التي تؤثر بشكل مباشر على قدرة الفرد على التعلم والتفاعل مع اللغة بشكل طبيعي. وبينما تُعد المشاكل البصرية أمرًا يجب الانتباه إليه، فإن جذور هذه الصعوبات تكمن غالبًا في طريقة معالجة الدماغ للمعلومات المرئية. لذلك، فإن الفحص الدوري والمتابعة المستمرة أمران أساسيان لضمان اكتشاف أي اضطرابات مبكرًا، وتوفير البيئة الداعمة للتغلب على هذه التحديات. من خلال دعم الأفراد المصابين وتقديم الموارد التعليمية المناسبة، يمكن تحقيق نتائج إيجابية تعزز من قدراتهم على النجاح في الدراسة والحياة اليومية في السعودية، وخاصة في مدينة الرياض.
يُعد الاهتمام المبكر بعسر القراءة والرؤية خطوة حاسمة نحو توفير بيئة تعليمية ملائمة تُمكن الأطفال من تجاوز العقبات وتحقيق إمكاناتهم الكاملة. لذا، يجب على كل من يهتم بتطوير مستقبل الطفل أن يكون على دراية بهذه الاضطرابات وأن يسعى لتوفير الدعم والموارد اللازمة لتحقيق النجاح الأكاديمي والحياتي.




