تُعرف متلازمة شوغرن (وتُنطق كشور-جرينز وتُكتب أحيانًا كشوغرن) بأنها حالة مناعية مزمنة يتميز فيها الجهاز المناعي بمهاجمة الغدد الحيوية التي تعمل على ترطيب العينين والفم وأجزاء أخرى من الجسم، مما يؤدي إلى تلف هذه الغدد وضعف وظائفها الحيوية. نتيجةً لهذا الهجوم المناعي غير الطبيعي، يُعتبر جفاف العين من العلامات والأعراض الأكثر شيوعًا وانتشارًا لدى المصابين بهذه المتلازمة، الأمر الذي يؤثر سلبًا على راحة العين وجودتها.
يمكن أن تصيب متلازمة شوغرن كلا من الرجال والنساء دون تمييز في العمر أو العرق، إلا أن الإحصاءات تُشير إلى انتشارها بشكل أكبر بين النساء من الأصول القوقازية، إذ تبدأ الأعراض في الظهور غالبًا خلال الفترة العمرية ما بين الأربعين والستين عامًا. وتشير تقديرات مؤسسة متلازمة شوغرن إلى أن ما يقارب 4 ملايين شخص في السعودية قد يعانون من هذه الحالة، مع تسجيل نسبة تصل إلى 90% من هؤلاء المصابين من الإناث؛ وقد يبقى ما يقارب 3 ملايين فرد دون علم أو وعي بحالتهم المرضية بسبب غموض بعض الأعراض أو ظهورها بشكل تدريجي.
نظرًا لأن جفاف العين يُعتبر من السمات المميزة لهذه المتلازمة، فإن العديد من حالات المرض لا يتم الإبلاغ عنها في مراحلها الأولى أو يُساء تفسيرها، مما يؤدي إلى تأخير عملية التشخيص. وتشير الدراسات إلى أن حوالي واحد من كل عشرة مرضى يعانون من جفاف العين قد يكون مصابًا أيضًا بمتلازمة شوغرن، وقد يستغرق الأمر أحيانًا ما يصل إلى أربع سنوات أو أكثر منذ بداية ظهور الأعراض للوصول إلى تشخيص دقيق وموثوق.
أسباب متلازمة شوغرن
تُعد متلازمة شوغرن واحدة من أكثر اضطرابات المناعة الذاتية شيوعًا، حيث يقوم الجهاز المناعي بمهاجمة أنسجة الجسم عن طريق خلايا الدم البيضاء، مما يؤدي إلى تلف هذه الأنسجة وضعف وظيفتها. وعلى الرغم من أن الآليات الدقيقة وراء هذه الاستجابة المناعية غير الطبيعية لا تزال غير مفهومة بالكامل، إلا أن الجهاز المناعي عادةً ما يتعرف على مكونات الجسم على أنها “ذاتية” ولا يهاجمها؛ بل يركز على مهاجمة الكائنات الضارة مثل الفيروسات والبكتيريا. ويُعتقد أن العوامل الوراثية تلعب دورًا مهمًا في تحفيز هذه الاستجابات، وقد ترتبط أيضًا بإصابات فيروسية أو بكتيرية سابقة.
تظهر متلازمة شوغرن إما كحالة مستقلة تُعرف بمتلازمة شوغرن الأولية أو تترافق مع اضطرابات مناعية أخرى مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، أو مرض الذئبة الحمراء، أو اضطرابات الجهاز الهضمي، أو حتى مع حالات تصلب الجلد، وتُعرف في هذه الحالة بمتلازمة شوغرن الثانوية.
كيفية التعرف على الإصابة بمتلازمة شوغرن
تتضمن العلامات التقليدية لمتلازمة شوغرن جفاف ملحوظ في العينين والفم، بالإضافة إلى الشعور المستمر بالتعب وآلام مزمنة في المفاصل. ومن بين الأعراض الأخرى التي قد تظهر:

- انزعاج العدسات اللاصقة: قد تشعر بعض المرضى بعدم الراحة عند استخدام العدسات اللاصقة.
- مشكلات الجيوب الأنفية: يظهر جفاف الجيوب الأنفية مع التهابات متكررة أو حتى نزيف الأنف.
- التهابات الفم: قد يعاني المريض من التهابات تؤثر على الفم واللسان والحلق.
- صعوبات في المضغ والبلع: تظهر صعوبة في عملية المضغ والبلع نتيجة لجفاف الفم.
- تشقق الشفاه: قد تصبح الشفاه جافة ومتقشرة مع مرور الوقت.
- التهابات الجفون: يُلاحظ التهابات بسيطة في الجفون.
- مشاكل جلدية: قد يصاحب جفاف الجلد حالات من الاحمرار والتهيج.
- آلام عضلية: يعاني البعض من آلام في العضلات دون وجود تورم واضح.
- جفاف المهبل: مما قد يؤثر على الراحة الشخصية.
وفيما يتعلق بالعين، قد يعاني المرضى من ضبابية في الرؤية، وإحساس مستمر كما لو كانت هناك حبيبات من الرمل أو شعور بالحرقان، إضافة إلى حساسية مفرطة للضوء.
الفحوصات والإجراءات التشخيصية لمتلازمة شوغرن
لتأكيد تشخيص متلازمة شوغرن، يقوم اختصاصيو العيون عادةً بعدة اختبارات وفحوصات دقيقة، منها:
- اختبار شيرمر: حيث يُوضع شريط ورقي صغير تحت الجفن السفلي لقياس كمية الدموع المنتجة خلال فترة زمنية محددة (عادة خمس دقائق).
- استخدام الصبغات الخاصة: تُستخدم صبغات تلوّن الدموع، تليها فحوصات مجهرية لتقييم سرعة تبخر الدموع والكشف عن أي ضرر قد يصيب سطح العين، مثل القرنية أو الملتحمة.
- فحص إفراز اللعاب: حيث يتم قياس كمية ونوعية اللعاب المنتج في الفم.
- اختبارات الدم المتخصصة: للكشف عن الأجسام المضادة التي تظهر عادةً لدى المرضى المصابين بمتلازمة شوغرن.
كما أن هناك اختبارًا تشخيصيًا متقدمًا يُعرف باسم اختبار Sjö، والذي تقدمه شركة Bausch + Lomb، حيث يُعتمد عليه للكشف عن المتلازمة بشكل أكثر دقة عن طريق التحقق من مؤشرات حيوية إضافية إلى جانب الأجسام المضادة التقليدية.
الاستراتيجيات العلاجية للتعامل مع متلازمة شوغرن
يُعتبر جفاف العين أحد أبرز المشاكل المرتبطة بمتلازمة شوغرن، ويتطلب علاجها اتباع خطة علاجية مستمرة تشمل:
- استخدام الدموع الاصطناعية: تُستخدم القطرات والمراهم المرطبة بشكل دوري للمساعدة في الحفاظ على رطوبة العينين.
- التركيبات الزيتية: نظرًا لأن بعض المرضى يعانون من تبخر سريع للدموع، فإن استخدام قطرات تحتوي على مكونات زيتية قد يساهم في إبطاء عملية التبخر والحفاظ على ترطيب العينين لفترة أطول.
- فحص وظيفة غدة الميبوميان: حيث يقوم اختصاصيو العيون بفحص وظيفة الغدد الدهنية في الجفون، وإذا تبين وجود خلل في هذه الوظيفة (MGD)، يُعالج ذلك لتحسين جودة الزيت الذي يحمي الدموع من التبخر.
وفيما يخص تخفيف الألم والالتهاب المصاحب، يُمكن اللجوء إلى استخدام أدوية مضادة للالتهابات غير الستيرويدية مثل الأسبرين أو الإيبوبروفين، وفي الحالات الشديدة قد يُوصى باستخدام أدوية تثبيط المناعة كجزء من العلاج.
الآثار الجانبية المحتملة لمرض متلازمة شوغرن
يمكن أن يؤدي الجفاف المزمن للعين إلى مشكلات خطيرة، إذ يُعتبر من أهم الأعراض التي قد تتسبب في تندب سطح العين وزيادة خطر الإصابة بالعدوى. إلى جانب ذلك، يُسبب المرض تدمير الغدد المسؤولة عن تشحيم العينين وأجزاء أخرى من الجسم، مما ينعكس سلبًا على الوظائف الطبيعية لتلك الأعضاء.
كما أن جفاف الفم الناتج عن متلازمة شوغرن قد يؤدي إلى تسوس الأسنان وفقدانها مع مرور الوقت، ولذلك قد يكون من الضروري استخدام مواد تشحيم فموية (اللعاب الاصطناعي) لضمان بقاء الفم رطبًا وتحسين القدرة على المضغ والبلع.
فضلاً عن ذلك، يُعتبر الأشخاص المصابون بمتلازمة شوغرن أكثر عرضة للإصابة بالأورام اللمفاوية، حيث قد تتضخم الغدد الليمفاوية بشكل غير طبيعي. ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل قد يؤدي المرض أيضًا إلى التهابات مزمنة في الأوعية الدموية، مما يُسبب مضاعفات تؤثر على وظائف متعددة في الجسم.
يجب على النساء الحوامل اللاتي تم تشخيص إصابتهن بهذه المتلازمة إبلاغ أطبائهن على الفور، إذ إن بعض البروتينات المناعية التي تُنتجها أجسامهن قد تنتقل إلى الجنين وتهاجم مكونات هامة في الجسم، مما يستدعي متابعة طبية دقيقة.
نصائح للوقاية وتخفيف أعراض متلازمة شوغرن
على الرغم من عدم وجود وسيلة مؤكدة للوقاية من متلازمة شوغرن، فإن اتباع مجموعة من الإجراءات الوقائية يمكن أن يساهم في تقليل حدة الأعراض، ومن بين هذه الإجراءات:
- زيادة استهلاك السوائل: يُنصح بشرب كميات كبيرة من الماء بانتظام للمساعدة في الحفاظ على ترطيب الجسم.
- تحفيز إفراز اللعاب: يمكن مضغ علكة خالية من السكر أو تناول حلوى صلبة لتحفيز إفراز اللعاب وترطيب الفم.
- استخدام الدموع الاصطناعية: يُفضل استخدام قطرات مرطبة ومراهم خاصة للعناية بالعينين، ويمكن لطبيب العيون تقديم التوصيات المناسبة بشأن العلامات التجارية المثالية.
- استخدام رذاذ المحلول الملحي: يساعد في ترطيب الأنف والأغشية المخاطية.
- تشغيل أجهزة الترطيب: تركيب جهاز ترطيب الهواء في المنزل أو مكان العمل يمكن أن يُخفف من جفاف العينين والأنف والفم والجلد.
- مراجعة الأدوية: يجب إبلاغ اختصاصي العيون عن كافة الأدوية التي يتم تناولها، خاصة تلك التي قد تؤدي إلى زيادة الجفاف مثل مضادات الهيستامين.
- استخدام مواد التشحيم المهبلية: في حالة الحاجة، يمكن الاستعانة بمواد تشحيم خاصة للحفاظ على الراحة.
- تجنب العوامل المهيجة: يُنصح بعدم التدخين والابتعاد عن تناول الكحول، حيث إنهما يُعتبران من العوامل التي تزيد من شدة الجفاف.
من خلال اتباع هذه الاستراتيجيات والعلاجات، يمكن تحسين نوعية الحياة لدى المرضى وتقليل الأعراض المؤثرة لمتلازمة شوغرن. في حال الرغبة في الحصول على استشارة متخصصة أو متابعة علاجية دقيقة، يُمكن التواصل مع عيادة الدكتور محمد العمرو في الرياض، حيث يقدم فريق متخصص من الأطباء الخبرة والرعاية الشاملة لمتابعة الحالات المعقدة وضمان تقديم أفضل الخطط العلاجية وفقًا لاحتياجات كل مريض.
بهذه الطريقة، يُمكن تحقيق تحسن ملحوظ في أعراض متلازمة شوغرن وتعزيز جودة الحياة من خلال التشخيص المبكر والعلاج المتكامل، مما يخفف من معاناة المرضى ويساهم في استعادة وظائف الجسم الطبيعية.




